في الأسبوعين الأولين من شهرها التاسع من الحمل، كانت روزان أبو جباره تأمل أن تتمكن من الولادة بأمان.
تقول روزان لصندوق الأمم المتحدة للسكان: "كنت أشعر بالألم وقد انفجر ماء الرحم." وأضافت: "ما يثير قلقي أكثر هو صحة الطفل، لعدم توفّر الأشياء الأساسية."
وتعيش روزان، البالغة من العمر 23 عامًا، حاليًا في النصيرات بمحافظة دير البلح، وقد مرت بحمل قاسٍ تحت الهجوم الإسرائيلي على غزة وفي ظل نقص الإمدادات الضرورية التي سمح بدخولها إلى القطاع خلال الأشهر الـ16 الماضية. ومع تدمير نحو 70% من البنية التحتية أو تضررها بشكل كبير، أصبح النظام الصحي في حالة خراب. وخيارات النقل المتاحة محدودة جدا والتكاليف باهظة بالنسبة لمعظم الناس، مما يترك النساء معرّضات لمحدودية الوصول للرعاية الصحية الأمومية والإنجابية الضرورية.
وتابعت روزان: "كانت الأشهر الأربعة الأولى صعبة بسبب غثيان الصباح، ولم يكن هناك شيء متاح للتخفيف منه. لا علاج، لا فواكه - حتى الأدوية التي في العادة ما تساعد ، لم تكن متوفرة."
على الرغم من الهدنة الهشة، يواجه حوالي 155,000 من النساء الحوامل والأمهات الجدد في غزة أوضاعًا مأساوية، يكافحن للبقاء على قيد الحياة في الخيام والملاجئ المؤقتة، ويتعرضن لقساوة الطقس والرياح الباردة. فقد تُصبح أجهزة المناعة لديهن ضعيفة بسبب إنعدام المياة النظيفة والصرف الصحي، مما يزيد من عرضة للأمراض والمشاكل الصحية. وعلى الرغم من أن المساعدات الأخيرة قد خففت بعض التهديدات الصحية الفورية، فإن النزوح وارتفاع تكاليف الغذاء وصعوبة الأوضاع المالية تعني أن الجوع وسوء التغذية والأمراض لا تزال منتشرة.
وأضافت روزان: "لم يكن هناك طعام سوى الدقة (خليط توابل). حتى الحليب لم يكن متوفرًا - لا حليب مبستر، ولا حليب بودرة. حاولت استبداله بالمكملات الغذائية، رغم أنها كانت صعبة العثور عليها. وفي المركز الصحي، أعطوني فقط عبوتين من دواء [لمكافحة الغثيان]، وكان عليّ أن أجعلها تدوم لفترة طويلة."
الرعاية الصحية تحت النيران
منذ بداية الحرب على غزة، قدم صندوق الأمم المتحدة للسكان المضادات الحيوية والأدوية الأساسية للحمل والولادة، وكذلك لإدارة الحالات مثل النزيف بعد الولادة والمضاعفات المهددة للحياة. كما تم توزيع الحاضنات، والأشعة فوق الصوتية (ألتراساوند) ، والأدوات الجراحية، والمحاقن، والمعدات لإجراء العمليات - بما في ذلك الولادات، والعمليات القيصرية، وعمليات نقل الدم - على المرافق والمؤسسات الشريكة في أنحاء القطاع.
ولضمان وصول الرعاية الطارئة للنساء الحوامل وحديثي الولادة إلى المناطق الأكثر صعوبة في الوصول إليها، قام الصندوق بنشر ست وحدات ميدانية للولادة مزودة بعاملين صحيّين متخصصين. كما يعمل مئات من القابلات والفرق الصحية المدعومة من الصندوق في الملاجئ المؤقتة لتلبية احتياجات الأشخاص المشردين الذين في حاجة ماسة للرعاية.
وتصف هديل عبد، 23 عاما، من النصيرات مع إبنتها البالغة من العمر خمس سنوات، التى تسعى للحصول على فحص في مستشفى العودة، آثار الحرب على النساء من حولها.
وتقول: "الولادة في هذه الظروف غير ممكنة. كل حملِ هذه الأيام هو صراع، مع المرض والإرهاق وسوء التغذية."
وأضافت: "الكثير من الوقت، يحدث الإجهاض في الشهر الخامس."
تقدم وكالة الأمم المتحدة للسكان الدعم النفسي لمساعدة النساء على التكيف مع صدمة الحرب، وضمان حصولهن على الرعاية الطبية والنفسية التي في أمس الحاجة إليها.
التمويل اللازم لإعادة بناء الرعاية المنقذة للحياة
منذ الهدنة، أقام صندوق الأمم المتحدة للسكان خيامًا طبية في المستشفيات والمرافق الصحية المتضررة، ونشرت أكثر من 70 قابلة لضمان استمرارية الرعاية الأمومية والإنجابية الأساسية، كما تساعد في إعادة بناء مستشفى الخير للولادة في مدينة غزة وغيرها من المراكز الصحية الأولية.
وقد وصل هذا الدعم حتى الآن إلى 170,000 امرأة وفتاة بالإمدادات والمعدات والأدوية والعلاج الطبي والاستشارات ما بعد العنف الجنسي، بالإضافة إلى المأوى الضروري والبطانيات والمنتجات الصحية.
ومع ذلك، لا تزال حوالي 50,000 امرأة حامل ونازحة بحاجة ماسة إلى الدعم للولادة بأمان - وهو ما أصبح مهددًا بشكل أكبر مع الحصار الأخير للمساعدات الإنسانية من قبل القوات الإسرائيلية وآفاق التمويل غير المؤكدة. كما قالت إحدى النساء في مخيم جباليا للاجئين: "الحرب تصبح حربين عندما تؤثر على المرأة – هي تعاني في كل الجوانب: مرارة الحرب، مرارة الخسارة، ومرارة تلبية احتياجاتها كامرأة."
يطلب صندوق الأمم المتحدة للسكان مبلغ 99.2 مليون دولار لدعم إعادة تأهيل المستشفيات والمراكز الصحية المتضررة، ونقل الفرق الصحية المتنقلة للوصول إلى النساء النازحات والمحرومات من الخدمات، وتوسيع المساحات الآمنة والملاجئ للنساء والفتيات.
وقالت ليلى بكر، المديرة الإقليمية لصندوق الأمم المتحدة للسكان في المنطقة العربية: "بينما الوضع مروع، يعمل الأطباء والممرضات والقابلات وحتى العاملون في التنظيف بلا كلل لتوفير بعض من الشعور بالكرامة." وأضافت: "نأمل أنه مع استمرار الهدنة، سنتمكن من بدء إعادة بناء النظام الصحي الذي يعتمد عليه هؤلاء الناس."