أنت هنا

الشباب العربى وفرص الضياع والنجاح

بقلم لؤي شبانة*
أقرت الجمعية العامة للأمم المتحدة يوم 12 أغسطس/آب يوما عالميا للشباب، إدراكا للدور المحوري الذي تلعبه هذه الفئة السكانية في نهضة اقتصادات الدول وبنيتها الإجتماعية والثقافية. إنما يأتي هذا اليوم على الشباب في المنطقة العربية وسط مشهد يتسم بالضبابية والخوف وعدم الامان،  وأحلام   وهواجس اللجوء والنزوح.   ومن اللافت أنه بعد خمسة أعوام من انطلاق حركة الشباب فيما اصطلح عليه بالربيع العربي، والذي سعى ضمن أهدافه العديدة  إلى تغيير العقد الإجتماعي بين المواطن والدولة، نلاحظ تزايد شعور الشباب  في العديد من الدول العربية بالإحباط والتهميش وانسداد الأفق، مما جعل الموت أحد الخيارات المطروحة. 
تدرك الدول العربية أهمية الشباب، إلا أن هذا الإدراك يكاد لا يظهر سوى في الخطابات الرسمية، ولم يترجم إلى إشراك حقيقي للشباب في تخطيط وتنفيذ وصياغة رؤية مجتمعاتهم في القضايا التي تخصهم بشكل مباشر كالتعليم والبحث العلمي وفرص العمل والحقوق بما فيها الحق في التنمية والوصول للمعلومات والحق في الخدمات الأساسية والرعاية الصحية بما في ذلك الصحة الإنجابية والجنسية، أو حتى مناقشة قوانين الأحوال الشخصية وضرورة تحديد العمر الأدنى للزواج مثلا لتفادي مشاكل الزواج المبكر، فمن المعروف أنه ما زالت في بعض البلاد العربية عدد من الممارسات التي قد ثبت ضررها على الشباب إنما لم تتخلص منها الدول في قوانينها لأسباب غالبا ما ترتبط بالعادات المجتمعية - كعمليات الختان مثلا أو زواج القاصرات، وهما ممارستان قد اجتمع المجتمع الدولي على نبذهما من خلال إتفاقيات دولية تعمل على حماية الإنسان من الأضرار الجسدية والنفسية وتنطوي تحت بند حقوق الإنسان.
في ديسمبر/كانون الأول 2015،  اعتمد مجلس الأمن الدولي وبدعم من الأردن القرار رقم 2250   حول "الشباب والسلم والأمن" الذي يهدف إلى تعزيز مشاركة الشباب والشابات في صناعة السلم والأمان وحث الدول الأعضاء في الأمم المتحدة على النظر في السبل الكفيلة بزيادة التمثيل الشامل للفئة الشبابية في عمليات صنع القرارات على جميع المستويات لمنع نشوب النزاعات ولحلها.  يعد هذا القرار اعترافا غير مسبوق بالحاجة الملحة لإشراك الشباب في تعزيز السلام ومكافحة التطرف العنيف.
لكن بينما تناقش المنظمات الدولية والمجموعات غير الحكومية دور الشباب  كشركاء حقيقيين وفعالين، يزداد  تعبير الشباب عن خيبة أملهم وشعورهم بالإستبعاد ومحدودية الخيارات لا سيما فيما يتعلق بمستقبلهم المهني وفرص العمل ، خصوصا بالمقارنة مع ما يرونه لدى أقرانهم في دول استوعبت الشباب وعملت على تقديم فرص متكافئة في التعليم والعمل والخدمات الصحية والصحة الإنجابية والجنسية، ففي المقارنة سبب مباشر للشعور بالإحباط.
لم تستطع  الدول العربية أن تقدم رؤية تنموية واضحة وشاملة لقطاع الشباب، رغم المحاولات الجادة لذلك، وربما يعود ذلك لاعتماد الحكومات وسائل تقليدية لشباب في ظروف غير تقليدية، وسائل لا تعترف فعليا بالقدرة الحقيقية للشباب على إحداث التغيير ولا تعترف بأحقية  الطموح الذي تولد لدى الشباب نتيجة انفتاحهم على عالم المعرفة والتواصل الاجتماعي ووصولهم بسهولة لأوضاع أقرانهم في دول ومجتمعات متقدمة. لا زالت الحكومات العربية  تستند على أفكار ونماذج  لإدارة شؤون قطاع الشباب لم تعد مقنعة لهم اليوم.
على الدول إطلاق حوارات يكون الشباب فيها فى موقع المبادرة لا المشاركة أو المساهمة فقط، من أجل رسم فرص اكتساب المهارات والوصول للمعلومات وممارسة الحقوق بالحرية والعدالة الإجتماعية فى إطار النظم الإجتماعية التى لابد وان تتطور مع تطور الحياة ووسائلها. على الدول العربية إتخاذ تدابير قانونية تحفظ حقوق الشباب السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والصحية بما فيها صحتهم الجنسية والإنجابية.
يطرح صندوق الامم المتحدة للسكان منهجيات متكاملة فى تعزيز تمكين الشباب تقوم على حقوق الإنسان في الصحة، والعمل اللائق،  والتعليم والتشاركية والمساواة بين الجنسين. وقدعبرت الأجيال الشابة بكل وضوح عن المستقبل الذي تتطلع اليه خلال التشاورات التي تمت لتحديد أهداف التنمية المستدامة 2030 حيث طالب  الشباب بالتعليم والمشاركة بشكل أكبر  في اتخاذ القرارات.  يرى صندوق الأمم المتحدة للسكان أن الإستثمار في الشباب وتمكينه هو أكبر فرصة في تحقيق التنمية المستدامة. وبالتالي يعمل الصندوق مع الجهات الوطنية المعنية بالشباب ومع المنظمات الشبابية من أجل تعزيز دورهم كفاعلين في التنمية وكمستفيدين، وكمشاركين باتخاذ القرارات والقوانين المحلية إتساقا مع تعهد الدول في إطار انضمامها للأهداف التنموية الاستراتيجية، إذ لم يعد ممكنا اليوم في ظل انفتاح الفضاء العام وتوفر المعلومات أن يتم منعهم من  تحديد الخيارات الصحيحة بالنسبة لهم، كخيارات الدراسة والزواج والإنجاب،. هذه خيارات تؤثر على ازدهار الشباب كأفراد وأيضا على ازدهار مجتمعاتهم. عماد المجتمع الصحي هو الإعتراف  بقدرة الشباب على إحداث تغييرات وقدرتهم على التخطيط والتفكير وحسن الإختيار.

*الدكتور لؤي شبانة هو مدير صندوق الأمم المتحدة للسكان للمنطقة العربية