بقلم الدكتور لؤي شبانه
المدير الإقليمي لصندوق الأمم المتحدة للسكان للدول العربية
في زيارتي الأخيرة لفلسطين ، انتابني شعور عميق بالحزن والأسى على الوضع هناك ، لكن الوضع على الأرض في قطاع غزة لا يزال مأساويًا بشكل لا يمكن تصوره. والقيود المفروضة على حركة الناس وقدرتهم على الحصول على أبسط الاحتياجات الإنسانية من صحة وغذاء وتعليم وسفر لا تطاق. لقد حان الوقت لاتخاذ خطوات حقيقية لتغيير الأمور هناك. لقد حان الوقت لأن تنتهي هذه المأساة.
بعد وقت قصير من إبرام اتفاق وقف إطلاق النار الذي أنهى العمليات القتالية في قطاع غزة، تحدث موظفو صندوق الأمم المتحدة للسكان مع فتاة صغيرة تُدعى رؤى ، تلك الفتاة لم تقدم نفسها على أنها في الثالثة عشرة من عمرها ، بل على أنها "بنت بعمر أربع حروب متتالية مرت على القطاع المحاصر".
قال لنا أحد زملائي في صندوق الأمم المتحدة للسكان: "لقد أعطيت خمس دقائق فقط لإخلاء منزلي. لم أستطع استيعاب ما يمكن لي فعله، هي خمس دقائق فقط منحت لي لتأمين إخلاء والدتي التي تعاني من الإعاقة ، ولضمان الحفاظ على حياة كافة أفراد الأسرة، وإنقاذ متعلقاتنا وذكرياتنا قبل أن يحطمها القصف".
يسمع العاملون في صندوق الأمم المتحدة للسكان أثناء العمل مع النساء في المجتمعات التي نخدمها مرارًا وتكرارًا: "لا مكان آمن في غزة. لا مكان آمن. شيء ما يجب أن يتغير ".
لقد أودى لتصعيد العسكري الأخير في مايو/أيار الماضي بحياة 242 شخصاً وجرح نحو 2000 آخرين. وشهد أكثر من 16600 شخص منازلهم تدمر أمام أعينهم. هذا التصعيد ليس سوى أحدث حلقة في سلسلة طويلة من الأحداث المدمرة التي تجعل سكان غزة يشعرون بأن الأمل يتلاشى. يواجه سكان غزة اليوم أزمة صحية ونفسية حقيقية.
حتى قبل الحرب ، أصدرت الأمم المتحدة في عام 2012 تقريرًا توقعت فيه أنه ما لم يتم اتخاذ إجراءات لتحسين الوصول إلى الخدمات الأساسية، فإن قطاع غزة سيصبح "غير صالح للعيش بحلول عام 2020" ، وجاء ذلك العام وذهب مع تحديات غير مسبوقة لكن تداعي الأوضاع المأساوية أصلا استمر. بالإضافة إلى ذلك ، فإن القيود المفروضة على الحركة تضيف المزيد من الإهانة والإذلال الذي يعاني منه الآلاف من سكان غزة المحتاجين للعلاج الطبي المنقذ للحياة خارج الشريط المحاصر. وقد تم تأخير أكثر من ربع طلبات إحالة مرضى السرطان في عام 2021 وفقًا لمنظمة الصحة العالمية. ولم ترحم جائحة كوفيد-19 قطاع غزة ، وكان الأثر الاجتماعي والاقتصادي لعمليات الإغلاق والصعوبات الاقتصادية مبعث قلق إضافي.
في قطاع غزة يحدث الدمار بسرعة ، في ثوان. لكن إعادة إعمار المباني والبنية التحتية واستئناف حياة الناس وتعافيهم من الصدمات تتم ببطء شديد. يتحدث الناس في قطاع غزة عن فقدان الأمل والخوف بل والذعر على مستقبلهم وأولادهم من حرب بعد حرب وما تجلبه من موت وآلام وصدمات، لا يوجد في الأفق ما يشير لمستقبل أفضل للغزيين.
كما هو الحال في جميع من الأحيان ، تدفع النساء والفتيات ثمناً باهظاً للوضع المأساوي الذي يفرض على الجميع. إن الضغوط والتوترات الناجمة عن الاحتلال، إلى جانب الصعوبات المالية والانقطاع المتكرر للكهرباء وفقدان الفرص الاقتصادية وعمليات الإغلاق المرتبطة بفيروس كورونا، جعلت بالفعل العديد من النساء والفتيات في حالة ضعف شديد. في بداية الإغلاق جراء كوفيد-19 ، شهد الخط الساخن الرئيسي للنساء والفتيات اللائي يواجهن العنف مكالمات أكثر في أسبوع واحد مما كانت عليه في العادة في ثلاثة أشهر. منذ ذلك الحين تدهور الوضع.
على مدى الأشهر الثلاثة المقبلة ، ستلد حوالي 16.500 امرأة في قطاع غزة. مع وجود نظام صحي تحت ضغط عميق لسنوات عديدة ، فإن ضمان توفير الخدمات الصحية الأساسية لضمان الولادة الآمنة يعد أولوية بالنسبة لصندوق الأمم المتحدة للسكان.ونحن نعمل على التأكد من أن المستشفيات والعيادات مجهزة للتعامل مع هذه التدخلات المنقذة للحياة.
إننا نشعر بقلق بالغ من أن النساء والفتيات المستضعفات المحتاجات إلى الحماية لا يحصلن على الرعاية خاصة من قبيل الخدمات الصحية والمشورة والمشورة القانونية وغير ذلك. وتخيلوا معي كم وصل سوء الأحوال فصندوق الأمم المتحدة للسكان وسع نطاق خدماته ليشمل تقديم الدعم لمقدمي الخدمات هؤلاء - بما في ذلك من خلال تزويدهم بالدعم النفسي والاجتماعي حتى يتمكنوا هم أنفسهم من مساعدة الآخرين - ونعمل على زيادة المساعدة النقدية والقسائم للنساء المستضعفات للتخفيف من بعض الضغوط المالية على أسرهن، والتي تجعل الأمر تزيد من سوء الوضع المأساوي أصلا.
لكن ماذا عن الصدمة التي تعرضت لها الأمهات الحوامل اللائي اضطررن إلى الفرار من منازلهن في منتصف الليل تحت القصف العنيف؟
ماذا عن النساء اللواتي يحتجن علاج سرطان الثدي بشكل عاجل ولا يستطعن الحصول على التصاريح اللازمة للخروج من غزة؟
ماذا عن النساء اللواتي يتعرضن للعنف المنزلي المتزايد ، والذي يتفاقم بسبب التوتر والازمات الاقتصادية والصعوبات المالية؟
لا يمكن للمساعدات الإنسانية وحدها أن تغير المعادلة. لذلك ، يجب أن تحدث تغييرات أكبر. يجب إنهاء الحصار المفروض على غزة.
ومع ذلك ، يؤمن صندوق الأمم المتحدة للسكان بأن هناك أفق وأمل، نحن نقرأ ذلك يوميًا من خلال برامجنا مع الشباب، نتلمس الطاقة والمبادرة والريادة والمهارات اللازمة لغد أفضل. هذه فئة من الشباب الكفؤ والمبادر. لديهم الحلول. إنهم يحتاجون فقط إلى فرصة - للتنفس والشعور بالأمان وبناء أعمالهم التجارية الصغيرة والشعور بالاطمئنان إلى أن استثماراتهم لن تذهب سدى عندما تضرب الجولة التالية من الصواريخ.
يقع على عاتق المجتمع الدولي التزام بضمان حصول الناس في قطاع غزة على الشروط الأساسية للعيش بكرامة والتمتع بحقوقهم تمامًا مثل الأشخاص الآخرين في أي مكان آخر. نعتقد أن نهجاً قائما على حقوق الإنسان والاعتراف بالحقوق غير القابلة للتصرف لكل شخص هو بداية الحل. نحن نعمل بجد لضمان تمتع النساء والفتيات بحق الاختيار فيما يتعلق باستقلاليتهن الجسدية.
لقد حان الوقت ليتغير الواقع، كفى لهذه الدورات من القتال العنيف والأزمات، كفى للحصار والإغلاق والقيود وانعدام الفرص.
photo credit: AlRay Palestine
عائلة من غزة تسعى للوصول الى مكان آمن، غزة، ايار 2021